أساليب القيادة
ما هو أسلوب القيادة؟
لماذا يجب الانتباه إلى أسلوب القيادة؟
ما هي بعض مفاهيم القيادة وطرقها؟
ما هي بعض طرق النظر إلى أسلوب القيادة وما هي تأثيراتها على منظّمة ما؟
كيف نحدّد الأسلوب المناسب؟
كيف نختار ونطوّر أسلوب القيادة؟
قصّتان حقيقيتان:
فهمت مديرة ائتلاف مجتمعي معيّن دورها بوضوح. إنه: جمع الأشخاص والمنظّمات للعمل على مسائل مشتركة، وتسهيل عمل المجموعات التي تشكّلت، ودعم الذين تولّوا مسؤولية العمل. وقد أدّت حماستها وعملها الجاد إلى توزّع أعضاء الائتلاف بين اللجان وقوى العمل، كما أدت مهارتها في جعل الناس يشعرون بأنّهم مطلوبون وموضع تقدير إلى إبقائهم في الائتلاف. كانت ترسل بطاقات التقدير لتشكر الأشخاص على العمل الذي يقومون أو قاموا به، كما أنّها أنشأت نظاماً للجوائز السنوية العامة تقديراً للذين بذلوا وقتهم وجهدهم من أجل تحسين المجتمع المحلّي. حتّى أنّها كانت تحضّر الحلوى لكلّ اجتماع في الائتلاف. ونتيجةً لذلك، احتفظت فرق العمل بأعضائها لفترات طويلة من الزمن، وأنجزت العمل الذي كانت قد خطّطت للقيام به. وحقّق الائتلاف نجاحاً باهراً إذ نجح في معالجة المسائل التي اعتبرها المجتمع المحلّي جوهرية، ويعود ذلك إلى حدّ كبير إلى فعالية المديرة في جمع الناس وجعلهم يشعرون بأنّهم مقدَّرون حق تقدير.
كان المدير الجديد للمدرسة الثانوية ملتزماً بالامتياز في التعليم، وكان مقتنعاً بأنّ الطريقة الأضمن لتحقيق ذلك هي تشجيع المعلّمين على التمكّن أكثر فأكثر من عملهم، وزيادة انتمائهم إلى المدرسة. أرادهم أن يجرّبوا أفكاراً جديدة مع التلاميذ، وأن يتكلّموا بعضهم مع بعضهم الآخر حول ما يقومون به، وأن يؤسّسوا أنظمة دعم متبادل، وأن يشاركوا في اتّخاذ القرارات في المدرسة. وفيما انطلق لتغيير مناخ المدرسة من أجل جعل ذلك كلّه ممكناً، تفاجأ واستاء عندما وجد أنّ معظم المعلّمين لا يرغبون في المشاركة في التمكين. فهم كانوا يرون في الإدارة والمعلّمين الآخرين مصادر تهديد لهم، ولم تكن لديهم رغبة في الابتكار في صفوفهم، وكانوا يريدون الابتعاد قدر الإمكان عن التعليم عندما لا يمارسونه فعلياً. وبعد خمس سنوات من الجهد المحبط، مع نجاح بسيط جداً فقط، تولّى المدير وظيفة أخرى في النظام التربوي.
محور هاتين القصّتين هو أساليب القيادة – أي الطرق التي يرى بها القادةُ القيادةَ ويطبّقونها. وقد تؤثّر أساليب القيادة على كلّ عمل وكلّ ناحية في منظّمة ما، بدءاً بطبيعة الاستراحات ووصولاً إلى الفعالية العامة لمبادرة مجتمعية معيّنة. ونتيجةً لذلك، من المهمّ فهم ماهية الأساليب المختلفة، وأيّ منها هو الأكثر أو الأقلّ فعالية، وكيف يمكننا تطوير أسلوبنا أو تغييره للاقتراب أكثر فأكثر من الحالة المثالية التي نطمح إليها. يساعدنا هذا القسم على بلورة هذا الفهم.
ما هو أسلوب القيادة؟
بحسب جون غارْدْنر في كتابه عن القيادة: "إنّ القيادة هي عملية الإقناع أو لعب دور القدوة التي يقوم من خلالها شخص ما (أو فريق قيادة ما) بِحَثّ مجموعةٍ على السعي من أجل أهداف يتبنّاها القائد أو يتشاركها القائد وأتباعه." إذا قبلنا هذا التعريف، فأسلوب القيادة يكون إذاً الطريقة التي تُنفَّذ من خلالها تلك العملية. (John Gardner: On Leadership).
وتشمل أساليب القادة كيفية ارتباطهم بالآخرين ضمن المنظّمة وخارجها، وكيفية رؤيتهم لأنفسهم ولمركزهم، كما تشمل - إلى حدّ كبير جداً – ما إذا كانوا ناجحين كقادة، أم لا. إذا توجّب إنجاز مهمّة ما، فكيف يخطّط قائد معيّن لإتمامها؟ وإذا برزت حالة طارئة، فكيف يعالجها القائد؟ وإذا احتاجت المنظّمة إلى دعم المجتمع المحلّي، فكيف يحرّكه القائد؟ في الواقع، تعتمد جميع هذه الأمور على أسلوب القيادة.
في هذا القسم، تنظر مواد كثيرة إلى القادة كأفراد، غير أنّه يمكن استثمار القيادة في فريق، أو في عدّة فرق، أو في أشخاص مختلفين في أوقات مختلفة. في الكثير من المنظّمات – وربّما في معظمها – مستويات عدّة من القيادة، وبالتالي فهي تضمّ الكثير من القادة. ولكن، بغضّ النظر عن الشكل الفعلي للقيادة، فإن أسلوب القيادة يُعتبر مسألةً بحدّ ذاته. فسواء كنتم القادة في منظّمة كبيرة، أو أعضاء في مجموعة صغيرة تمارس القيادة الجماعية، فإنّ طريقة المستخدمة في أداء دور القيادة ستترك بصمة كبيرة على فعالية عملكم وتأثيره.
لماذا يجب الانتباه إلى أسلوب القيادة؟
يجد أسلوب قيادة منظّمةٍ ما انعكاسه في طبيعة هذه المنظّمة كما في علاقاتها مع المجتمع المحلّي. فعندما يكون القائد شكّاكاً ومتمسّكاً بسلطته، فإن الآخرين في المنظّمة سيتصرّفون بشكل مماثل على الأرجح لدى تعاملهم مع الزملاء ومع المجتمع المحلّي. أمّا حين يكون القائد ما متعاوناً ومنفتحاً، فهو على الأرجح سيشجّع الموظّفين على اتّباع المواقف عينها، وسيعمل بتعاونٍ مع منظّمات أخرى.
إذن، إن ما يسهم في تحديد المنظّمة، وبطرق متعدّدة، هو أسلوب قائدها. فحين تريد المنظّمة أن تكون وفية لفلسفتها ورسالتها، فعلى أسلوب قائدها أن يكون متّسقاً معهما. فقد تعمّ الفوضى في منظّمة ديمقراطية إذا كان قائدها أوتوقراطياً- أو مستبدا. والقائد الذي لا يهتمّ سوى بالأرباح في منظّمة مبنية على أهمية القيم الإنسانية، قد يزعزع هدف عملها. لهذا السبب، قد يكون من الأساسي أن ندرك أسلوبنا الخاص كقادة وأساليب الآخرين الذين نجندهم كقادة، من أجل إبقاء منظّمتنا على المسار الصحيح.
مفاهيم القيادة وطرقها
لقد عرفنا جميعاً ورأينا أنواعاً مختلفة من القادة. (سننظر في بعض الأساليب المحدّدة بمزيد من التفصيل لاحقاً في هذا القسم). فإحدى الصور الخالدة من القرن العشرين هي صورة مئات الآلاف من الألمان وهم يهتفون بحماسة لقائدهم في الفيلم الدعائي النازي الرائع والمرعب "انتصار الإرادة" الذي أخرجه لِيني ريفِنْشْتال في العام 1930 (قبيل استيلاء النازيين على السلطة). وبالمقابل، واسى [الرئيس الأميركي] فْرانْكلين روزفلت أمّة مشلولة بسبب الكساد الاقتصادي [بعد انهيار 1929] قائلاً إنّه "يجب ألا نخاف من شيء إلا من الخوف نفسه". أمّا الرئيس جون كينيدي فأثار حماسة جيل عندما دعاهم قائلاً: "لا تسألوا ما يمكن أن يفعل بلدكم من أجلكم، بل اسألوا ما يمكنكم أنتم أن تقوموا به من أجل بلدكم."
هذه الأمثلة جميعها تمثّل – لأغراض متنوّعة – قادة محرّضين عظماء ينشرون سحرهم من خلال خطاباتهم. تصورنا للقيادة يميل إلى أن ينحصر في مثل هذه الأمثلة، إلا أنّه ثمّة أيضاً أنواع أخرى من القادة: غاندي الجالس وهو يغزل في باحة هندية مغبرة؛ وجون لويس وغيره من "ركاب الحرية" الذين تعرّضوا للضرب العنيف في ولاية ميسيسيبي؛ وفاكْلاف هافِل الذي رفض أن ينتقم من البيروقراطيين الشيوعيين السابقين في تشيكوسلوفاكيا [بعد انهيار النظام الشيوعي]؛ ونيْلسون مانْديلا القابع في السجن في جزيرة روبين – هؤلاء أيضاً يمثّلون صوراً للقيادة.
تصورات عن القيادة
يمكن أن يرتبط أسلوب قيادة منظّمةٍ ما بمسائل أقلّ دراماتيكيةً من هذه الأمثلة، ولكنّه، بلا شكّ، يخلّف آثاراً عميقة على الأشخاص ضمن هذه المنظّمة وعلى كلّ ما تفعله. فالأساليب ترتبط بأفكار القائد – والمنظّمة - حول ماهية القيادة وما تقوم به. وتتضمّن التصورات المحتملة ما يلي:
ممارسة السلطة: القيادة تعني السعي من أجل الغايات الخاصة. وتأكيد السلطة على الآخرين يشكّل غاية بحدّ ذاته، ويرمز إلى مركز الشخص كقائد.
كسب امتيازات المقام الرفيع وممارستها: القيادة تعني الوصول إلى المراتب العليا، وبأن يُعتبر الشخص صاحبَ المقام الأعلى.
لعب دور المدير: القيادة هي الإشراف على عمل المنظّمة من خلال إبلاغ الجميع بما يجب أن يقوموا به ومتى، ومكافأتهم أو معاقبتهم بحسب الاقتضاء.
التركيز على المهام: القيادة هي إتمام العمل – فهذا هو كلّ ما يهمّ.
الاهتمام بالأشخاص: القيادة هي الاعتناء بالذين تقودونهم، والحرص على حصولهم على ما يحتاجون إليه.
التمكين: القيادة هي مساعدة الذين تقودونهم على أن يكتسبوا سلطة ويصبحوا قادة.
انطلاقاً من هاتين النقطتين الأخيرتين معاً، قد نضيف تصوراً يقول إنّ أحد جوانب القيادة هو تعزيز النمو الشخصي (والمهني) لدى الآخرين.
توفير القيادة المعنوية: بفضل قوّة شخصيته ومثله العليا الخاصة، يثير القائد توقّعات ويرفع الآخرين إلى مستواه.
توفير رؤية والعمل نحوها: القيادة هي القدرة على تصوّر غاية، وتحفيز الآخرين للعمل معكم نحو تلك الغاية.
طرق القيادة
في منظّمات كثيرة، أو ربّما في معظمها، قد تتحدد القيادة بأكثر من تصور واحد من هذه التصورات. فكلّ تصوّرٍ منها ينطوي على طرق محدّدة في القيادة، وقد يستخدم القادة عدداً من الطرق المختلفة.
ممارسة السلطة المحض: "إمّا طريقتي أو لا شيء". إنْ لم تقوموا بما يطلبه القائد، مهما كان طلبه غير منطقي، فسيُقضى عليكم. فقرارات القائد ليست قابلة للتساؤل أو النقاش، وما من أحد سواه يمكنه اتّخاذ القرارات.
سياسة التآمر: يحرّض القائد الناس ضدّ بعضهم البعض، ويخلق انقسامات ضمن المنظّمة، ويرعى "الحلفاء" ويعزل "الأعداء"، ويُراكِم (من خلال الخدمات أو التغاضي عن الأداء السيّئ) على الآخرين الدَين الشخصي الذي يمكن أن يقبضه عند الحاجة، وذلك بهدف التلاعب بالناس والأحداث بحسب رغبته.
تباهى مدير مدرسة أمام الناخبين حول قلّة ما يُنفَق على النظام المدرسي، ثمّ شرح للمعلّمين تعذّر حصولهم على زيادات في الرواتب لأنّ الأوضاع الاقتصادية في المجتمع المحلّي لا تسمح له بأن يستثمر في التعليم. عيّن مشرفين على خلاف مع بعضهم البعض ومع المعلّمين، وكان يحابي بعض المسؤولين دون سواهم، ويتبجّح علناً، ويبذل قصارى جهده ليلفت انتباه أعضاء معيّنين في لجنة المدرسة. وعموماً، كان يُبقي الجميع في حيرة وعدم استقرار. وبما أنّه كان بارعاً جداً في القيام بهذه الأمور، لم يلاحظ أحد تقريباً على امتداد معظم مدّة عمله الطويلة، أنّه لم يكن يمارس أيّ قيادة تربوية، وأنّ المدرسة كانت تتراجع على الصعيدين المادي والتربوي في ظلّ إدارته.
استخدام العلاقات: يطوّر القائد علاقات قوية وإيجابية مع جميع الأشخاص أو معظمهم في المنظّمة، ويستخدم هذه العلاقات لجذب الأشخاص نحو توجّهات محدّدة. ويقوم الأشخاص بما هو مطلوب منهم بسبب علاقاتهم مع القائد بدلاً من أن تكون الأسباب ذات صلة بالمهام نفسها.
لعب دور القدوة: قد يطلب القائد أو يفرض، أو قد لا يطلب ولا يفرض، تصرّفات أو أعمالاً محدّدة، ولكنّه قد ينفذها، ويتوقّع من الآخرين أن يحذوا حذوه، أو أنه يلمّح إلى ذلك ضمنياً.
في صقلية، تولّى عالم آثار شاب الإشراف على عملية حفر، فكُلِّف بالتفاوض مع عمّال محلّيين وتنظيمهم لتنفيذ هذه العملية. ورأى العمّال الذين يبلغ عمر معظمهم حوالى ضعفَي عمر المشرف أنّ هذا العمل هو فرصة لجني بعض المال من دون القيام بالكثير من العمل (وهذا ما أفهمهم إياه رجل المافيا المحلّي الذي وظّفهم).
فاجأهم المشرف عندما تكلّم لهجتهم المحلّية، وعندما عاملهم باحترام. ولكنّ المفاجأة الكبرى كانت أنّه، بعد أن شرح بدقّة ما الذي يجب القيام به وكيف، لم يبقَ واقفاً للإشراف عليهم مباشرةً أو ليقول لكلّ شخص ما الذي يجب أن يقوم به. عوضاً عن ذلك، انصرف بكلّ بساطة وانكبّ على العمل. عندئذٍ، بدأ الرجال الأكبر سنّاً بالعمل أيضاً، إذ شعروا بالإعجاب والإحراج. وفاجأهم عالم الآثار الشاب مرّة أخرى عندما أدركوا أنّه كان مستعدّاً للقيام بأيّ عمل كان، مهما كان صعباً أو قذراً، وأنّهم لم يقدروا أن يتفوّقوا عليه في العمل مهما حاولوا – على الرغم من أنّهم كانوا مزارعين معتادين على العمل. وخلافاً لتوقّعاتهم الأوّلية، عملوا بجهد طوال فترة توظيفهم... من دون أن يعطي المشرف أيّ أوامر على الإطلاق.
الإقناع: القائد يقنع الأشخاص من خلال البرهان، أو التحليل، أو الترويج لطرق فنية، أو غيرها من طرق الإقناع، بأنّ ما يريده هو، في الواقع، المسار الأفضل، أو أنّه يتماشى مع ما يريدون هم أن يفعلوه.
تشارك السلطة: يختار بعض القادة ممارسة بعض القيادة على الأقلّ من خلال أصحاب المصلحة الآخرين في المنظّمة. في هذه الحال، قد يتخلّون عن بعض السلطة الشخصية مقابل ما يعتبرونه إشراكاً إضافياً للمعنيين بعملية اتّخاذ القرار في القرارات، والأهداف، والمنظّمة نفسها،.
الشخصية الجاذبة (الكاريزما): يتمتّع بعض القادة بشخصية تكفيهم لجذب الآخرين بفضل قوّة أو سحر شخصيّتهم وحدها. وهم في الواقع، قد ينادون بأمور رائعة وينجزون أموراً رائعة، ولكنّهم يحقّقون ذلك من خلال وفاء الأشخاص لهم وإعجابهم بهم.
لم يكن الاسكندر الأكبر يتجاوز 18 عاماً عندما خلف والده الذي اغتيل، واعتلى عرش مقدونيا.ولم يكن يتجاوز 32 عاماً عندما توفّي، ولكنّه تمكّن في هذه المدّة القصيرة من أن يحتلّ جزءاً كبيراً من العالم الذي نعرفه. وبفضل جاذبيته الخاصة، ظنّ جنوده – الذين كانوا يعرفونه جيّداً، ويقاتلون إلى جانبه – أنّه خالد، وتبعوه لسنوات من معركة إلى أخرى، ومن بلد مجهول إلى آخر. وعند وفاته، سار جيشه بكامله في صفّ ليودّعوا شخصياً القائد الذي أحبّوه ووقّروه. هذه هي الجاذبية الشخصية.
إشراك الأتباع في الغاية: القائد يجعل الآخرين يتبنّون رؤيته للمنظّمة، بحيث تصبح رؤيتهم هم أيضاً. وقد يحقّق ذلك من خلال الجاذبية الشخصية، أو من خلال شدّة إيمانه الشخصي بقوّة الرؤية وصوابها، أو من خلال طبيعة الرؤية بحدّ ذاتها.
خلطات متنوّعة من هذه الطرق وغيرها.
إنّ الخلطة الناتجة عن تصور القائد والمنظّمة للقيادة، من جهة، وعن طريقة القائد في القيادة، من جهة أخرى، تلعب دوراً كبيراً في تحديد شكل القيادة. بالإضافة إلى ذلك، تنعكس خصائص القيادة، دائماً تقريباً، في العلاقات ضمن وبين الموظّفين، والمشاركين، ومجلس الإدارة، وغيرهم من المرتبطين بالمنظّمة، كما تنعكس في سياساتها، وإجراءاتها، وبرنامجها. سنعود إلى هذه الفكرة بالمزيد من التفصيل عندما نتناول أساليبَ محدّدة لاحقاً في هذا القسم.
وهناك أيضاً عوامل أخرى تلعب دوراً في تحديد أسلوب القيادة. ففي بعض المنظّمات، على سبيل المثال، يُتوقَّع من القادة تحريك الأمور، وتعزيز التغيير ودعمه. وفي منظّمات أخرى، يُتوقَّع منهم أن يحافظوا على الأمر الواقع. وفي بعض المنظّمات، يُتوقَّع منهم أن يكونوا مبادِرين وجازمين؛ في حين يُتوقَّع منهم أن يميلوا إلى السلبية في منظّمات أخرى. وتمتزج جميع هذه العناصر بطرق مختلفة – مفاهيم القيادة، وطرق القيادة، والموقف تجاه التغيير، والجزم- مع الشخصيات والتجربة الشخصية لتُنتِج أساليب مختلفة من القادة.
بعض طرق النظر إلى أسلوب القيادة وتأثيراتها على منظّمة ما
هناك عدد من النظريات حول أسلوب القيادة، والكثير منها ينطوي على تسلسل متصل – أسلوبان متعاكسان مع عدد من الوقفات الوسطية بينهما. سنحاول هنا أن نقدّم أربعة أساليب تلخّص الكثير من النظريات القائمة، وأن نُظهِر كيف تتفاعل مع طريقة أخرى شاملة في النظر إلى أسلوب القيادة.
أربعة أساليب قيادة:
تذكّروا أنّ كلاً من الأساليب أدناه يشكّل صورة نمطية تناسب القليل جداً من الناس الحقيقيين فعلياً. فكلّ نمط يستعرض خصائص أسلوب ما بمصطلحات بسيطة جداً وأحادية الجانب. ولكن، نادراً ما يرى أيّ شخص القيادة أو يمارسها بهذه النمطية كما هو مبيّن هنا. فمعظم القادة يجمعون بعضاً من خصائص أسلوبَين أو أكثر من هذه الأساليب، ويتمتّعون بخصائص أخرى لا تنطبق على أيّ من الأساليب أدناه. ويمكنكم إيجاد توصيفات كثيرة لأساليب قيادة أخرى أيضاً. أمّا ما توفّره هذه القائمة فعلاً فهو بعض الطرق المفيدة لكي تفكّروا في قيادتكم الخاصة وفي قيادة غيركم.
من المهمّ أيضاً أن نتذكّر أنّ الأشخاص يكونون في أيّ من هذه الفئات إمّا فعّالين وإمّا غير فعّالين. فالقائد المستبد، أو الأوتوقراطي، قد يتسبّب ببساطة، من خلال تصرّفه، بتعزيز القوى نفسها التي يحاول قمعها. والقائد الإداري قد يكون مديراً ممتازاً أو سيّئاً. فاعتماد أسلوب معيّن لا يعني بالضرورة النجاح فيه.
ثمّة أيضاً أساليب معيّنة أقلّ فعاليةً من سواها، بطبيعتها. على سبيل المثال، إنّ أحد الأساليب الذي يظهر في المراجع هو أسلوب عدم التدخّل، أي ترك الأمور تحصل كما هي، وعدم توفير رؤية، ولا توجّه، ولا بنية. قد ينجح ذلك لمدّة قصيرة في منظّمة سبق أن ابتكرت طرقاً ناجحة للعمل، ولكنّه على المدى البعيد لن يناسب حتّى أفضل المنظّمات، وستكون له نتائج كارثية في منظّمة تحتاج إلى التوجيه والبنية.
الأسلوب الأوتوقراطي، أو الاستبدادي: يصرّ القادة الاستبداديون ، أو الأوتوقراطيون، على القيام بكلّ شيء بأنفسهم. فهم يتمتّعون بكامل السلطة، ويتّخذون القرارات كافة، وغالباً ما لا يخبرون أيّ شخص بما يقومون به. إذا كنتم تعملون تحت إشراف قائد أوتوقراطي، فمهمّتكم تقضي عادةً بالقيام بما يُطلب منكم.
وغالباً ما يحافظ القائد الأوتوقراطي، الاستبدادي، على سلطته بالقوّة، أو التخويف، أو التهديد، أو المكافأة والعقاب، أو باستعمال مركزه. وعلى الرغم من أنّه قد تكون لديه رؤية واضحة أو لا تكون، وقد يوجّه المنظّمة أو لا يوجّهها في الاتّجاه الصحيح، إلا أنّه لا يهتمّ بما إذا كان أيّ شخص كان يوافقه على أعماله أم لا.
إلى ذلك، فالقيادة الأوتوقراطية تسمح باتّخاذ القرارات بسرعة، وتلغي الجدال حول كيفية عمل الأمور ولماذا. ولكنّها في الوقت نفسه قد تقلّل من احتمال الحصول على مجموعة من الأفكار المختلفة من أشخاص مختلفين، كما أنّها قد تعامل الناس بطريقة سيّئة، أو كأنّهم ليسوا مهمّين. وإذا كان هذا القائد مهتمّاً بسلطته الخاصة أو مركزه، كما يحصل غالباً، فسيكون قلقاً وحذراً، وسيحرص على سحق أيّ معارضة له أو لأفكاره وقراراته. كذلك، لا يُسمح عنده بالابتكار أو استخدام أفكار الآخرين إلا إذا كان ذلك جزءاً من خطّته.
الآثار على المنظّمة: غالباً ما يثير القادة الأوتوقراطيون مشاعر الخوف وعدم الثقة من حولهم. كذلك، يميل الآخرون في المنظّمة إلى التشبّه بهم في حماية مراكزهم، وفي عدم ثقتهم بأفكار الآخرين ودوافعهم. والمنظّمات ذات القيادة الأوتوقراطية، أو المستبدة، غالباً ما لا تكون بشكل خاص داعمة للعلاقات الشخصية، بل تتّصف بتسلسل الأوامر أكثر بكثير. فكلّ شخص لديه دائرته الخاصة، ويحميها مهما كلّف الأمر. أمّا التواصل فيميل إلى أن ينحصر في اتّجاه واحد فقط - نحو الأعلى - ونتيجةً لذلك، قد تتحوّل الشائعات إلى الطريقة الاعتيادية لنشر الأخبار في المنظّمة.
في أفضل الحالات، (وثمّة قادة أوتوقراطيون يحسنون التصرّف – انظروا المربّع التالي مباشرةً)، توفّر القيادة الأوتوقراطية بيئة عمل ثابتة وآمنة، وقيادة حاسمة وفعّالة. ولكنّها غالباً ما قد تضحّي بالمبادرة، والأفكار الجديدة، والتطوّر الفردي والجماعي للموظّفين، من أجل استقرار بيئةٍ منظّمة جداً وهرمية، حيث يعرف الجميع ما الذي يُفترض أن يقوموا به تحديداً، ويتبعون الأوامر من دون أيّ تعليق.
صحيح أنّ الوصف أعلاه يقدّم صورة سلبية جداً، إلا أنّ الكثير من القادة الأوتوقراطيين ليسوا محطّ كره وخشية، بل يحظون بالتقدير، حتّى أنّهم قد يكونون محبوبين. ويتوقف الأمر على شخصياتهم – فهم مثل أيّ شخص آخر، قد يكونون لطفاء، أو أصحاب شخصيات جذابة، أو حتّى مستعدّين للاستماع إلى أفكار الآخرين والتصرّف بموجبها – كما يتوقف على المنظّمة نفسها (في الجيش، غالبية الجنود يريدون مسؤولاً صارماً)، وعلى نوعية قراراتهم، وعلى احتياجات الأشخاص الذين يقودونهم. وإذا كانوا يحسنون التصرّف ولا يسيئون إلى الأشخاص بشكل عام، وإذا كانوا يتّخذون قرارات جيّدة للمنظّمة، ويحقّقون الصورة الوالدية أو السلطوية التي يبحث عنها معظم الأشخاص في المنظّمة، فقد يكونون فعّالين ومُحترَمين.
الأسلوب الإداري: القائد الذي يرى نفسه مديراً يهتمّ بالدرجة الأولى بتسيير المنظّمة. فلا يهمّ إلى أين تتّجه المنظّمة، طالما أنّها تصل إلى هناك في حالة جيّدة. قد يهتم بالعلاقات مع الموظّفين وبينهم، ولكن فقط من أجل ضمان استمرار سير الأمور بسلاسة. وتبعاً لطبيعة المنظّمة وثباتها، فقد ينصبّ تركيزه الأساسي على التمويل، أو على تقوية أنظمة المنظّمة وبناها التحتية (السياسات، والمراكز، والتجهيزات...)، أو على التأكّد من حسن سير العمليات اليومية (بما في ذلك التأكّد من أنّ كلّ شخص يقوم بما يُفترض أن يقوم به).
إذا كان القائد الإداري كفؤاً، فسيكون بشكل عام ممسكاً بزمام ما يحصل في المنظّمة. وتبعاً لحجم المنظّمة ومستوى إدارته، سيكون متحكّماً بالموازنة، وعارفاً بمحتوى دليل السياسات والإجراءات، وعالماً بمَن يقوم بعمله بكفاءة وبمَن لا يقوم بعمله بكفاءة، ومعالجاً للمسائل بسرعة وحزم لدى بروزها. أمّا ما لن يقوم به فهو توجيه المنظّمة. فالرؤية ليست من شأنه؛ في حين أنّ المحافظة على المنظّمة هي شأنه.
الآثار على المنظّمة: بشكل عام، فإنّ المنظّمة الخاضعة لإدارة جيّدة - بغضّ النظر عن أسلوب قيادتها- تُعتبر بمثابة مكان ممتع للعمل، نوعاً ما. لن يكون على الموظّفين أن يقلقوا بشأن الغموض، أو بشأن ما إذا كانوا سيتقاضون أجورهم. فطالما أنّ المراقبة لائقة نسبياً – عدم الصراخ في وجه الناس، وعدم تحريض الموظّفين بعضهم ضدّ البعض الآخر – فالأمور تسير بشكل جيّد. حتّى أنّ المدراء الجيّدين يحاولون تعزيز العلاقات الودّية مع الموظّفين وبينهم، لأنّها تجعل المنظّمة تعمل بشكل أفضل.
من جهة أخرى، إنّ الإدارة الجيّدة التي تفتقر إلى رؤية واضحة تُنتِج منظّمة لا هدف لها. فقد تعمل المنظّمة بكلّ بساطة لدعم الوضع الراهن، وتقوم بما اعتادت القيام به دائماً لكي تضمن استمرار سير الأمور بسلاسة. ولكنّ هذا الموقف لا يعزّز الشغف لدى الموظّفين، ولا يأخذ في الحسبان الاحتياجات المتغيّرة (وهي في الواقع تتغيّر) لدى الفئة المستهدفة أو المجتمع المحلّي. فصحيح أنّ المنظّمة قد تقوم بما تقوم به بكفاءة وبشكل جيّد... ولكنّ ما تقوم به قد لا يكون ما يجب أن تقوم به، وهي لن تبحث في هذا الاحتمال قريباً.
من الواضح أنّ قائد أيّ منظّمة – وأيضاً أيّ مسؤول آخر – سيحتاج إلى أن يكون مديراً في بعض الأوقات على الأقلّ. ويكون الكثيرون في الواقع مدراء ممتازين، ويضمنون استمرار سير المنظّمة بسلاسة على عدد من المستويات. فالمسألة هنا هي الأسلوب الذي يعتمده هذا الشخص كقائد. فإذا كان يرى أن الإدارة هي هدفه الأوّلي يكون قائداً إدارياً، وسيكون لديه منظور مختلف جداً للقيادة عمّا لو كان أسلوبه ديمقراطياً في الأساس، مثلاً.
الأسلوب الديمقراطي: القائد الديمقراطي يفهم أنّه لا وجود للمنظّمة من دون أعضائها. وهو ينظر إلى مركزه ومراكز الآخرين من حيث المسؤوليات، وليس من حيث المقام، وغالباً ما يستشير الآخرين في اتّخاذ القرارات. ولكن، على الرغم من أنّه يلتمس آراء الآخرين، ويقدّرها، ويأخذها في الحسبان، إلا أنّه يرى نفسه صاحبَ المسؤولية النهائية عن اتّخاذ القرارات. وهو يقبل أنّ السلطة تعني أيضاً أنّ المسؤولية تقع عليه. وصحيح أنّه يرى المنظّمة كمشروع تعاون، غير أنّه يعرف أنّه عليه في النهاية مواجهة تبعات قراراته وحده.
والقيادة الديمقراطية تدعو إلى مشاركة الموظّفين وغيرهم، ليس في اتّخاذ القرارات فحسب، بل أيضاً في بلورة رؤية المنظّمة. فهي تسمح للجميع بأن يعبّروا عن آرائهم في كيفية العمل على الأمور، وكيفية توجيه المنظّمة. وهي تُغني إمكانيات المنظّمة من خلال إدخال أفكار الجميع. ولكن مع ذلك، تُترَك القرارات النهائية حول ما يجب القيام به بشأن هذه الأفكار في يد شخص واحد.
بعض أشكال القيادة الديمقراطية قد تضع المسؤولية في أيدي مجموعة صغيرة – فريق إدارة أو لجنة تنفيذية – بدلاً من أن تنحصر في يد شخص واحد.
الآثار على المنظّمة: في تشديدها على المساواة في المكانة فإنّ القيادة الديمقراطية قد تشجّع إقامة الصداقات والعلاقات الجيّدة ضمن المنظّمة. (في المنظّمات الأكثر هرميةً، من المستبعد اختلاط الموظّفين الإداريين والمسؤولين، مثلاً، في حين أنّ مثل هذا الاختلاط غالباً ما يحصل في المنظّمة الخاضعة لقيادة ديمقراطية،). وهي تساعد على جعل الناس يشعرون بأنّهم موضع تقدير عندما يُسألون عن آرائهم، ويشعرون بذلك أكثر فأكثر عندما يجري إدراج هذه الآراء ضمن قرار نهائي أو سياسة نهائية.
أمّا ما لا تفعله القيادة الديمقراطية بالضرورة – مع أنّها تستطيع ذلك – فهو جعل الموظّفين معنيين مباشرةً بالمنظّمة وغاياتها. صحيح أنّ الجميع قد يُسأل عن أفكاره أو آرائه، إلا أنّها لا تُستخدم جميعها أو تُدمج في أعمال المنظّمة. عندما لا نناقش الأفكار فعلاً، ونخرج باتّفاق عام ناتج عنها فالأرجح ألا يتولّد شعور بالملكية عند العاملين. وبالتالي، فإنّه قد يكون للقيادة الديمقراطية بعض عيوب القيادة الأتوقراطية – كالافتقار إلى التبنّي – من دون الميزات التي تنجم عن اتّخاذ القرارات بسرعة ووضوح في غياب عملية الاستشارة.
الأسلوب التعاوني: يحاول القائد التعاوني إشراك جميع مَن في المنظّمة في قيادتها. إنّه فعلاً الأوّل بين متساوين، من حيث أنّه قد يطلق النقاش، ويشير إلى المشكلات أو المسائل التي يجب مخاطبتها، ويتابع المنظّمة ككلّ، بدلاً من متابعة عمل معيّن واحد. ولكنّ القرارات تُتَّخذ من خلال عملية نقاش تعاونية، وشكلٍ من أشكال الاتّفاق إمّا بالأكثرية وإمّا بالإجماع. وفي سبيل هذه الغاية، يحاول القائد التعاوني تعزيز الثقة والعمل الجماعي لدى الموظّفين ككلّ.
وعلى القائد التعاوني أن يتخلّى عن الحاجة إلى التحكّم، أو السلطة، أو المكانة إذا أراد أن يكون فعّالاً. فغايته تقضي بتعزيز عملية التعاون، وتمكين المجموعة – من العاملين وغيرهم من المعنيين بمنظّمة ما، أو الأفراد والمنظّمات المشاركين في مبادرة مجتمعية – للتحكّم برؤية المنظّمة وأعمالها. وعليه أن يثق بأنّ الأشخاص سيتّخذون قرارات جيّدة إذا كانت لديهم جميع المعلومات ذات الصلة... وينبغي أن يحرص على حصولهم على هذه المعلومات، وأن يوفّر التسهيل الذي يضمن هذه القرارات الجيّدة.
الآثار على المنظّمة: تقترب القيادة التعاونية قدر الإمكان من ضمان أن يتبنّى أعضاء المنظّمة رؤيتها وقراراتها، لأنّهم معنيون مباشرةً بوضعها. وهي الأقرب إلى غاية "القيادة الخادمة" التي تناولناها في القسم السابق (انظروا الفصل 13، القسم 2: القيادة الخادمة: قبول نداء الخدمة والمحافظة عليه)، كما أنّها الأقرب إلى أن تعكس مفاهيم المساواة والتمكين التي تنصّ عليها فلسفة الكثير من المنظّمات القاعدية والمجتمعية ورسائلها. وهي بالتالي تزيل قدراً كبيراً من عدم الثقة التي غالباً ما نجدها بين موظّفي المراكز الأساسية والمسؤولين.
يذهب كْرِيْسليب ولارْسون إلى مساواة القيادة التعاونية ليس بالقيادة الخادمة فحسب، بل أيضاً بالقيادة التحوّلية (انظروا أدناه) والقيادة التسهيلية. وهما يحدّدان أربع خصائص للقائد التعاوني:
التزام وعمل مُلهِمان: القائد التعاوني يساعد الأشخاص على تطوير الرؤية والشغف للبدء بالعمل وصيانته.
القيادة في حلّ مشكلات الأقران: القائد التعاوني يسهّل حلّ المشكلات من خلال إقامة نموذج عملية وتعليمها، ومن خلال مساعدة الآخرين على تسخير خبراتهم وأفكارهم.
بناء إنخراط واسع القاعدة: القائد التعاوني يدعو جميع المعنيين إلى عملية دامجة وجامعة.
إدامة الأمل والمشاركة: قد يستغرق بلوغ الغايات وقتاً طويلاً. والقائد التعاوني يساعد المجموعة على وضع غايات انتقالية، لكي تتمكّن من رؤية التقدّم، كما أنّه يساعد على المحافظة على الشغف والالتزام من أجل الاستمرار عندما لا يلوح في الأفق أيّ أمل، وذلك من خلال لعب دور القدوة وبطرق أخرى.
David Chrislip and Carl E. Larson,
Collaborative Leadership - How Citizens and Civic Leaders Can Make a Difference.
إلى ذلك، فالقادة التعاونيون، عموماً، يعزّزون العلاقات التي تقرّب ما بين العاملين التي من شأنها زيادة التواصل والإغناء المتبادل في عملهم، والتي تقود إلى طرق أكثر فعاليةً لتحقيق غايات المنظّمة.
أمّا من الناحية السلبية، فقد يجري إهمال الإدارة من أجل بناء منظّمة تعاونية. وبالتحديد أكثر، فقد يكون اتّخاذ القرارات بشكل تعاوني مزعجاً. ويتوقف على المجموعة ما إذا كانت مناقشة الأفكار تذهب إلى أبعد حدود، وقد يستغرق حل الخلافات التافهة حول النواحي التافهة من السياسة ساعات.
قد يكون اتّخاذ القرارات بشكل تعاوني ديمقراطياً – مبنياً على تصويت بالأكثرية بعد النقاش – أو معتمداً على التوصّل إلى إجماع، مع عدد من الاحتمالات ما بين التصويت والإجماع. واتّخاذ القرارات عبر التوصّل إلى إجماع تعتريه صعوبات بشكل خاص، لأنّه يتطلّب موافقة الجميع قبل اتّخاذ القرار. فبإمكان شخص واحد مصمم أن يعطّل العملية إلى أجل غير مسمّى. وحتّى في أفضل الحالات، يمكن أن تستغرق عملية الإجماع فترات طويلة، وتستنفد صبر جميع المعنيين. صحيح أنّه ليس من المستحيل تطبيقها، ولكنّها تتطلّب التزاماً فعلياً بالنموذج الأمثل للإجماع والكثير من الصبر. في الممارسة، غالباً ما يُستخدم الإجماع الحقيقي لاتّخاذ القرارات في المنظّمات الجماعية التي تختلف كثيراً عن المنظّمات التعاونية، والتي غالباً ما تُشرِك الجميع في القيادة.
طريقة أخرى للنظر إلى أسلوب القيادة
ثمّة وجهة نظر مختلفة أشاعها جايْمسْ ماكْغريْغور بورْنْز، وهي تقارن بين أسلوبَين في القيادة: التعاملية (تْرانْسْأَكْشِينالtransactional ) والتحوّلية (تْرانْسْفورْميْشِسْينالtransformational ).
القيادة التعاملية: كما يشير اسمها، تُبنى هذه القيادةَ على أساس التعاملات بين القائد والتابعين. والقائد يرى العلاقات الإنسانية كمجموعة من التعاملات. وبالتالي فإنّ المكافآت، والعقوبات، والمبادلات، والتبادلات (الاقتصادية، والعاطفية، والجسدية)، وغيرها من مثل هذه "التعاملات" تشكّل قاعدة القيادة. وبعبارات أبسط، أنا أقود هذه المنظّمة عبر تسديد أجرك وإبلاغك بما يجب أن تقوم به؛ وأنت تستجيب عبر قيامك بما يجب أن تقوم به بكفاءة وبشكل جيّد، فتزدهر المنظّمة.
القيادة التحوّلية: تنظر هذه القيادة بطريقة مختلفة. فالقائد الحقيقي بالنسبة إليها هو الذي يستطيع دمج قيم التابعين، وآمالهم، واحتياجاتهم وجمعها ضمن رؤية، ثمّ تشجيع التابعين وتمكينهم للسعي وراء هذه الرؤية. فالقائد التعاملي يرى أن التحسين أو التطوير هو القيام بالأمر نفسه بشكل أفضل: منظّمة تصل إلى عدد أكبر من الناس، أو شركة تجني المزيد من المال. أمّا القائد التحوّلي فيفكّر في تغيير العالم، حتّى ولو على نطاق محدود.
الجمع بين النظرتين إلى أسلوب القيادة
لا تلغي هاتان الطريقتان في النظر إلى أسلوب القيادة إحداهما الأخرى: في الواقع، من الأسهل النظر إلى القيادة في سياق الطريقتين معاً. فلو افترضنا (كما يفترض معظم أصحاب نظريات القيادة تقريباً) أنّ القيادة التحوّلية تكون إمّا أفضل من القيادة التعاملية، وإمّا أنها تشكّل إضافة ضرورية إليها، فما هي إذاً العناصر المطلوبة لتنشئة قائد تحوّلي؟ وما هي الأساليب التي يستخدمها بشكل عام القادة التحوّليون، وكيف؟
عناصر القيادة التحوّلية
يفهم القائد التحوّلي القيادة على أنّها مساعدة الناس على تطوير رؤية مشتركة، ومن ثمّ السعي وراء هذه الرؤية إلى أن تتحقّق. وهو يستنبط هذه الرؤية من احتياجات الآخرين وتطلّعاتهم، ويعطيها شكلاً، ويجعلها غايةً للكفاح من أجلها. فالرؤية ليست رؤيته؛ إنّها رؤية مشتركة يراها كلّ شخص على أنها رؤيته الخاصة.
خطاب مارتين لوثَر كيْنْغ المذهل "لديّ حلم" استمدّ قوّته ليس فقط من جمال فنّ الخطابة الذي تميّز به، بل من كونه يبلور مشاعر جميع هؤلاء المواطنين، من جميع الأعراق، الذين كانوا يؤمنون بأنّ العنصرية خطأ فادح. في هذا الخطاب، تكلّم كينغ بأصوات مئات الآلاف الذين كانوا واقفين أمام نصب أبراهام لينكولن التذكاري، والملايين غيرهم الذين كانوا يشاركونه رؤيته. ويبقى هذا الخطاب اللحظةَ الحاسمة للنضال من أجل الحقوق المدنية، وهو الذي جعل من كينغ – الذي كان قد أثبت شجاعته مسبقاً في مدينة بِيْرْمِيْنغْهام وأماكن أخرى – قائداً تحوّلياً.
وبالتالي فإنّ مفهوم القيادة التحوّلية يتمثّل في توفير رؤية والعمل في اتجاهها، بل هو يتضمّن أيضاً عناصر التمكين، والاهتمام بالأشخاص، وحتّى التركيز على المهام. فعمل القائد التحوّلي لا ينحصر فقط في توفير الإلهام ثمّ الاختفاء، بل في أن يكون موجوداً، يوماً بعد يوم، وفي أن يقنع الناس بأنّه يمكن بلوغ الرؤية، وأن يجدّد التزامهم، وأنّ يعزّز حماستهم. والقادة التحوّليون يعملون أكثر من أيّ شخص آخر، وكما تقول الأغنية الروحية، "يضعون الجائزة نصب أعينهم". [ أغنية "ضع الجائزة نُصب عينيك" وضعتها المناضلة في سبيل الحقوق المدنية، أليس وايْن، 1956 على قدّ لحن روحية أقدم. عنوانها: Keep Your Eyes on the Prize" - المحرر].
وقد تتنوّع الطرق التي يمكن أن يستخدمها القادة التحوّليون لبلوغ غاياتهم. وهي تشمل دائماً تقريباً إشراك التابعين في الغاية، فضلاً عن الشخصية الجاذبة التي تأتي إمّا من الخصائص الشخصية، وإمّا من القدرة على صياغة رؤية متبادلة في كلمات، وتحريك مجموعةٍ ما نحو تحقيق هذه الرؤية. وقد يستخدم القادة التحوّليون أيضاً تشارك السلطة، و/أو لعب دور القدوة، و/أو الإقناع لمساعدة مجموعة ما على التحرّك نحو غايتها.
فما هو الأسلوب الذي ينطبق على ذلك كلّه؟ الأسلوب الإداري هو ربّما الأقلّ تناسباً مع القيادة التحوّلية، لأنّه لا يعير الرؤية أيّ انتباه. أمّا الأسلوب الأوتوقراطي فلا يعير أفكار الآخرين الكثير من الانتباه وليس يلائم القائد التحوّلي، بشكل عام. من ناحية أخرى، نرى هِتْلر الذي غَرف من أعمق مشاعر الذين قادهم، وعبّر عنها بطريقة مخيفة ولكنها كانت فعّالة جداً. إذاً، ما من ضمانة تؤكّد أنّ القائد التحوّلي سيعمل من أجل تحسّن الإنسانية، مع أنّه قد يعبّر عن رؤيته بهذه المصطلحات. والملتقى بين القيادة التحوّلية والقيادة الأوتوقراطية ليس مستحيلاً، ولكن، يكون له عادةً نتائج مختلطة، في أفضل الحالات.
أطلق فيديل كاسْترو وحافظ على الإصلاحات الملحّة في ملكية الأراضي، والتعليم، والصحّة، وغيرها في كوبا، والتي ما زال يقدّره من أجلها الكثير من سكّان الجزيرة. إلى ذلك، أزال أيّ أثر للحرية السياسية، وسجن وأعدم المنشقّين والخصوم السياسيين، وكان مسؤولاً، جزئياً على الأقلّ، عن تدمير جزء كبير من قاعدة كوبا الاقتصادية باسم الطهارة الايديولوجية. وكما في الأساليب الأربعة التي وصفناها سابقاً، ما من ضمانة تؤكّد أنّ القائد التعاملي أو التحوّلي سيكون قائداً فعّالاً.
أمّا الأسلوبان الديمقراطي والتعاوني فيشكّلان احتمالَين أفضل للقيادة التحوّلية. فكلاهما يتيحان الحصول على مُدخَلات أو إسهامات من الجميع، وكلاهما يشجّعان على المشاركة في تحقيق الغايات طويلة الأمد. صحيح أنّه قد يكون صعباً بالنسبة إلى قائد متحفّز جداً وذي شخصية جاذبة أن يعمل بالأسلوب التعاوني، ولكنّه يمكن لهذا الأسلوب أن يكون أيضاً مرضياً إلى حدّ كبير. وثمّة وجهة نظر يجب ذكرها، وهي تفيد بأنّ الأسلوب التعاوني قد يكون الأكثر نجاحاً بالنسبة منظمةٍ تُدار إدارةً تحوّلية، بسبب المستوى العالي من تملّك الرؤية. وكما ذكرنا سابقاً، يعتبر دايفيد كريسْليب وكارْل لارْسون يعتبران في الواقع أنّ القيادة التعاونية والقيادة التحوّلية يشكّلان أسلوباً واحداً من القيادة في الأساس.
كيف نحدّد ما هو الأسلوب الملائم؟
بعد أن قلنا ذلك كلّه، قد يكون من الصحيح على الأرجح أنّ أيّ قائد، حتّى القائد التعاوني جداً، يستخدم مجموعة من الأساليب المختلفة في أوقات مختلفة – وحتّى في خلال نهار واحد ربّما. فالقرارات يجب أن تُتَّخذ، والأزمات الكبيرة والصغيرة يجب مواجهتها، والأوضاع والنزاعات يجب أن تُحَلّ، في اللحظة ذاتها غالباً. ومن المهمّ أن ندرك أنّ الأساليب المختلفة قد تكون مناسبة في أوقات مختلفة، ولأهداف مختلفة.
في حال الطوارئ، ما من أحد يمكن أن يقترح الجلوس واتّخاذ قرار جماعي حول ما يجب القيام به. فينبغي أن يتمّ التصرّف بحسم، وعلى شخص واحد أن يقوم بذلك في أسرع وقت ممكن. وطالما أنّه من الواضح مَن هو هذا الشخص، فيفترض ألا يكون هناك تساؤل عن المسائل الفلسفية المعنية. وللأسباب نفسها، من المسيء للإنتاجية اتّخاذ القرارات حول كيف يجب أن يقوم الأشخاص بأعمالهم من دون استشارتهم، على الأقلّ في أفضل ما يمكن أن ينجح. فالقادة الجيّدون يعتمدون عادةً أسلوباً يستخدمونه بوعي في معظم الأوقات، ولكنّهم ليسوا متحجرون في مواقفهم، بل هم يتغيّرون كما تقتضي الضرورة للتعامل مع أيّ أمر قد يطرأ.
وثمّة عاملان آخران على الأقلّ يجب أخذهما بعين الاعتبار لدى اختيار أسلوب القيادة: الأوّل هو أنّ أسلوب القيادة – في البداية على الأقلّ – يجب أن يكون متّسقاً، إلى حدّ ما على الأقلّ، مع ما يتوقّعه الأشخاص في المنظّمة. ويمكننا أن نحاول تغيير توقّعاتهم وفهمهم لكيفية تسيير منظّمة ما – وهذا جزء من القيادة – ولكن، يجب أن نبدأ بملاقاتهم في منتصف الطريق على الأقلّ، وإلا فلن نقترب أبداً بما فيه الكفاية للتكلّم عن هذا الأمر.
عندما نحاول تحويل نظام أوتوقراطي إلى نظام تعاوني، علينا أن نقبل واقع أنّ معظم الأشخاص في النظام لن يرحّبوا بالتغيير، حتّى أنّ بعضهم لن يفهم ما نقترحه. وعلينا أيضاً أن نقبل واقع أنّهم قد ربّما طوّروا طرقهم الخاصة للتأقلم مع جمود النظام وأنّهم سيستمرّون في استخدامها، حتّى لو لم يعد النظام جامدا. قد يستغرق إيصال أفكارنا ليس وقتاً طويلاً فحسب، كما أن مساعدة الأشخاص على تخطّي شكوكهم والتخلّي عن العادات القديمة قد تستغرق وقتاً أطول. وقد لا يتمكّن البعض من فعل ذلك أبداً. إذاً، نحتاج إلى الصبر وإلى الاستعداد للتصرّف في بعض الحالات بطرق لا نحبّذها عادةً.
في القصّة الثانية في بداية هذا القسم، كان مدير المدرسة صالحاً: كان يحاول أن يكون قائداً تعاونياً وتحوّلياً يلهم المعلّمين ويدعمهم حتى يحقّقوا أفضل ما بوسعهم في التعليم، ويجعل المدرسة مثالاً للتميّز ولتوفير التعلّم للجميع وتعزيز الزمالة. ولكنّ المشكلة كانت أنّ المعلّمين توقّعوا أمراً مختلفاً تماماً. فهم أرادوا شخصاً يقول لهم ما يجب أن يقوموا به، ثمّ يتركهم ليقوموا بذلك. ورأوا أنّ خطط المدير ليست سوى طريقة أخرى للاحتيال عليهم لكي يقوموا بأمور بخلاف رغبتهم، ولكي يعملوا لساعات أطول. وكلّما كان يحاول أن يشرح أنّ ما يطلبه هو لصالحهم، قاوموا أكثر فأكثر – فهم "سمعوا هذا الكلام" من قبل.
لو بدأ المدير من حيث كان المعلّمون، لربما كان من الممكن أن ينجح أكثر. وهذا يعني أنّه كان عليه "تسيير" المدرسة كما كان يفعل سلفه، وإدخال الإصلاحات ببطء على امتداد فترة طويلة. وكانت العملية لتبدأ من خلال إعطاء اقتراحات للمعلّمين المتقبّلين؛ وكان التطوير المهني ليساعد على مواصلتها. كذلك، كان بإمكانه استخدام نوع من المحفّزات لتشجيع المعلّمين على تجربة أمور جديدة، بدلاً من أن يفترض أنّهم سيفرحون إذا كانوا أكثر استقلاليةً وإبداعاً. فالانتباه إلى توقّعات الموظّفين كان سيعود بالفائدة على المدير على المدى البعيد.
وأخيراً، ينبغي أن يكون أسلوبنا متّسقاً مع غايات منظّمتنا، ورسالتها، وفلسفتها. وكما ذكرنا سابقاً – وفي مواقع أخرى متعدّدة في "عدّة العمل المجتمعي" – لا يمكن لمنظّمةٍ ما أن تبقى وفيّة لرسالتها إذا كانت بنيتها الداخلية تتعارض مع مبادئها التوجيهية. فالمنظّمة التي تكرّس نفسها لتمكين الفئة المستهدَف، مثلاً، يجب أن تمكّن العاملين فيها أيضاً. وبالنسبة إلى معظم المنظّمات القاعدية والمجتمعية، فإنّ هذا الاتّساق يعني استخدام تنويعةً من الأسلوب الديمقراطي أو التعاوني.
كيف نختار ونطوّر أسلوب القيادة؟
أيّ نوع من القادة نريد أن نكون؟ بل ربّما الأهمّ من ذلك حتّى، كيف نكون الأكثر فعالية كقادة؟ وأيّ نوع من أساليب القيادة سيكون الأنفع لمنظّمتنا، وسيسمح لنا بأن نحقّق أفضل ما في وسعنا كقادة؟ ليست أساليب القيادة التي وصفناها في هذا القسم الطرق الوحيدة للنظر إلى القيادة. فكما ناقشنا سابقاً، يستخدم معظم القادة الحقيقيين خليطاً من الأساليب، وثمّة أساليب أخرى لم نتناولها فعلاً هنا.
من المحتمل أنّ الاسكندر الأكبر كان قائداً بالفطرة، ولكن إلى أيّ مدى نشبه نحن الاسكندر الأكبر؟ علينا أن نكون صريحين... إنّه أمر مستبعد، أليس كذلك؟ فجميع القادة تقريباً، حتّى القادة العظماء، عليهم أن يتعلّموا كيف يقودون، وعليهم أن يطوّروا مهاراتهم على مدى فترة من الزمن. ويمكننا أن نفعل الشيء نفسه، لا سيّما إذا كانت لدينا فكرة واضحة عمّا هي القيادة في اعتقادنا، وإذا كان لدينا قدوات جيّدة نتعلّم منها. في ما يلي بعض الأمور التي يمكننا القيام بها لاختيار أسلوب القيادة الفعّال الخاص بنا وتطويره:
نبدأ بأنفسنا: نستخدم ما نعرف عن شخصيتنا، وعن كيفية ممارستنا القيادة في السابق. وصحيح أنّ أيّاً من هذين الأمرين لن يحدّد ما نختاره الآن – فالناس قد يتغيّرون، لا سيمّا إذا كانوا مقتنعين بأنّ ما قاموا به سابقاً لم يكن فعّالاً، أو متّسقاً مع قيمهم – ولكن، من المهمّ أن نكون صريحين مع أنفسنا في مَن نكون. ولهذه الصراحة وجهان.
أوّلاً، نكون واضحين مع أنفسنا في ما يتعلق بميولنا الطبيعية ومواهبنا: إذا أردنا أن نكون قادة تعاونيين، في حين نميل إلى أن نقول للناس ما يجب أن يقوموا به، فعلينا الإقرار بذلك والتفكير في طرق لنتغير. وإذا أردنا أن نكون قادة توجيهيين، ولكنّنا نعاني صعوبات في اتّخاذ القرارات، فعلينا معالجة هذه المسـألة. فليس بإمكان الجميع أن يتمتعوا بشخصيات جاذبة أو ساحرة، ولكنّ الجميع تقريباً يستطيع أن يتعلّم يقطّر رؤيةً تعكس آمال مجموعة ما واحتياجاتها، وأن يوصل هذه الرؤية. لذلك، فإنّ معرفة أنفسنا تشكّل الخطوة الأولى نحو اختيار أسلوب معيّن وفهم ما سيكون علينا القيام به حتى نتبناه.
أن تكونوا صريحين فعلاً مع أنفسكم، هذه مهمّة صعبة. فبالنسبة إلى معظمنا، قد يتطلّب ذلك تمضية بعض الوقت مع مستشار أو صديق موثوق به، أو الاستعداد لسماع مردود من الزملاء، و/أو الزملاء في العمل، و/أو أفراد الأسرة. وهو يتطلّب أيضاً تقييماً ذاتياً صريحاً، ما قد يعني إزالة الدفاعات ومواجهة مكامن عدم الثقة بالنفس.
بعض الأسئلة التي قد تطرحونها على أنفسكم كبداية:
إلى أيّ مدى أحتاج إلى أن أكون مسيطراً؟ (عندما تكونون في سيارة، هل تشعرون بعدم الراحة إذا لم تقودوها، على افتراض أن السائق كفؤ؟ هل تسمحون لشخص آخر بأن يطلب لكم الطعام في مطعم؟ إذا كنتم تعلّمون صفّاً مدرسياً، فهل تلجؤون إلى أسلوب المحاضرة؟ هل تلحقون أموراً خارجة عن الموضوع تهمّ أعضاء الصف؟ هل من طريقة صحيحة للقيام بكلّ شيء تقريباً؟ إذا كانت إجاباتكم على هذه الأسئلة نعم، ثمّ لا، ثمّ نعم، ثمّ لا، ثمّ نعم، فهذا يعني أنكم على الأرجح في حاجة كبيرة جداً إلى السيطرة على الأمور.)
إلى أيّ مدى أنا مستعدّ لأن أثق في أن الآخرين يقومون بعملهم؟ (هل تشعرون بعدم الراحة عندما تفوّضون العمل، بحيث تحاولون أن تقوموا به بأنفسكم؟ هل تقولون للناس بالتحديد كيف يجب القيام بالأمور، حتّى لو كانوا يتمتّعون بالخبرة للقيام بها؟ هل تعتقدون أنّ المشرفين يجب أن يمضوا جزءاً كبيراً من وقتهم لمراجعة عمل الذين يشرفون عليهم؟ إن الإجابة بـ"نعم" على هذه الأسئلة قد تعني أنّكم لا تثقون كثيراً بالآخرين.)
إلى أيّ مدى أنا صبور؟ (إذا كان شخص ما يعاني صعوبة في القيام بأمرٍ، فهل تقومون به بدلاً عنه؟ هل تقاطعون الآخرين بتعليقاتكم قبل أن ينتهوا من الكلام؟ هل تريدون أن ينتهي النقاش لأنّكم تريدون البدء بعمل أمر ما؟ إذا كانت هذه جميعها تنطبق عليكم، فقد لا يكون الصبر من أفضل شِيَمكم.)
إلى أيّ مدى أنا منظّم؟ (هل تستطيعون دائماً تقريباً إيجاد أيّ شيء تحتاجون إليه من دون أن يكون عليكم البحث عنه؟ هل مكتبكم نظيف؟ هل ملفّاتكم موضوعة بالترتيب الأبجدي ومنظّمة؟ هل كتبكم موضوعة بالترتيب الأبجدي؟ هل لديكم مكان لكلّ شيء تقريباً؟ هل يمكن لأيّ شخص غيركم أن يقرأ دفتر مواعيدكم؟ هل تصلون دائماً في الوقت المناسب، ونادراً ما تفوّتون المواعيد؟)
إلى أيّ مدى تُعتبر مهاراتي في التعاطي مع الناس جيّدة؟ (هل تشعرون بالراحة مع الآخرين؟ هل يبدو الناس مرتاحين معكم؟ عندما تكونون مع الآخرين، فهل تمضون معظم وقتكم في التكلّم؟ في الاستماع؟ في الإثنين بالتساوي تقريباً؟ هل يلجأ الناس إليكم للمساعدة أو النصيحة؟ هل تعتبرون أنفسكم جيّدين في إصدار الأحكام على الناس، وهل أثبتت تجربتكم ذلك؟ هل تحاولون أخذ احتياجات الآخرين ومشاعرهم بعين الاعتبار في أيّ قرار؟)
من الواضح أنّ هذه الأسئلة القليلة ليست سوى بداية، ولكن، يُفترض أنها تساعدنا على التفكير في بعض المسائل المهمّة المتعلّقة بالقيادة. إذا كنا في حاجة كبيرة إلى السيطرة، مثلاً، فهذا لا يعني أنّنا لا نستطيع أن نكون قادة تعاونيين، ولكنّه يعني أنّه سيكون علينا أن نتعلّم بعض التصرّفات الجديدة، وربّما طريقة جديدة بالكامل للنظر إلى الأمور. أم في حال لم نكن منظّمين، فهذا لا يعني أنّنا لا نستطيع أن نكون قادة جيّدين، ولكن سيكون علينا إيجاد استراتيجيات لتبقوا ممسكين بكلّ شيء.
ثانياً، نعترف بمعتقداتنا ونلتزم بها: إذا كان لديكم التزام فلسفي حقيقي بأسلوب قيادة محدّد، فسيكون من الأسهل علينا على الأرجح أن نغيّر تصرّفنا لبحيث يتناسب وهذا الأسلوب بدلاً من أن نعيش ونحن نعرف أنّنا نخون مبادئنا.
نفكّر في احتياجات المنظّمة أو المبادرة: بشكل عام، ينبغي أن يعتمد الائتلاف المجتمعي قيادةً تعاونية، وإلا فسينهار وسط المسائل الخلافية واتّهامات التمييز. والمنظّمة التي تستجيب لحالات يكون عليها التصرّف بسرعة فيها – فريق طبّي للطوارئ مثلاً – قد تحتاج إلى قيادة أكثر حسماً وتوجيهاً. وقد يمتلك بعض المجموعات رؤيةً متّقدة ولكنّها تفتقر إلى المهارات العملية لتحقيقها – كالإدارة المالية، أو الجدولة، الخ.
يمكننا تكييف معظم الأساليب مع معظم الأوضاع، ولكن من دون أن نهمل احتياجات المنظّمة الفعلية في حساباتنا. قد نحتاج في البداية إلى ممارسة أسلوب مختلف عن الأسلوب الذي نريد انتهاجه على المدى البعيد، بغية حلّ المشكلات في المنظّمة، أو لإشراك الأشخاص. في المثل الذي أعطيناه في بداية هذا القسم مثلاً، كان يمكن لمدير المدرسة أن يحقّق المزيد من النجاح لو بدأ بإحداث تغيير بسيط جداً وتقدّم ببطء أكبر نحو الدور والفلسفة اللذين يريدهما.
نراقب القادة الآخرين ونتعلّم منهم: نفكر في الطريقة التي اتّبعها القادة الذين عملنا تحت إشرافهم أو معهم في ممارسة القيادة. ما كانت أساليبهم، وهل كانت فعّالة؟ كيف عالجوا الأنواع المختلفة من الحالات؟ ما كان الشعور الذي خلّفه ما قاموا به لديكم ولدى الآخرين؟ نحاول أن نراقب الآخرين فيما هم يعملون، ونتكلّم معهم عن رؤيتهم لما يقومون به. ما الذي يعجبنا في طريقة عملهم؟ وما الذي لا يعجبنا؟ وما الذي يمكننا إدخاله إلى أسلوبنا الخاص؟
نبحث عن مرشد: إذا وُجد قائد يعجبنا بشكل خاص، ويسهل الوصول إليه، (قد يصعب على نيلسون مانديلا أن يجد وقتاً لنا!)، نتكلّم معه على المسائل المتعلّقة بالقيادة – كيف يفهم ما يقوم به، وكيف عالج حالات محدّدة ولماذا، إلخ. ومعظم الناس، لا سيّما إذا كانوا قادة جيّدين يدركون ما يقومون به ولماذا، يرحّبون بفرصة مساعدة الآخرين على تطوير مهارات القيادة الخاصة بهم.
نستخدم الأبحاث حول القيادة: ثمّة موارد كثيرة متوافرة عن القادة، تتناول موضوع القيادة من الناحيتين النظرية والعملية. وقد أوردنا الكثير منها في نهاية هذا القسم، وثمّة مراجع أخرى كثيرة يمكنكم إيجادها بأنفسكم. فهي ستعطيكم الكثير من الأفكار الإضافية حول أساليب القيادة، وتساعدكم على صقل تفكيركم الخاص حول ماهية القيادة وأيّ نوع من القادة تحبّون أن تكونوا.
علينا أن نؤمن بما نقوم به: إذا فكّرنا جيّداً وآمنّا بالطريقة التي نمارس بها القيادة، فهذا سينعكس على الآخرين. إذا آمنّا بأنفسنا، فسيؤمن الآخرون أيضاً بنا.
نكون على استعداد لإدخال تغيير: صحيح أنّ هذا قد يبدو متعارضاً مع بعض ما ورد أعلاه، إلا أنّه ربما كان العنصر الأهمّ في القيادة الجيّدة. فمهما أحسنّا عملنا فإنه يبقى غير كامل – وهو ليس، ولن يكون، كاملاً أبداً. نستعدّ لأن نجد السلبيات كما الإيجابيات بأنفسنا أو أن نسمعها من الآخرين ، وأن ننظر فيها بدقّة وبموضوعية، وأن نجري التصحيحات عند الضرورة. بهذه الطريقة، لن نصبح قادة جيّدين فحسب، بل سنستمرّ في ذلك.
الخلاصة
أسلوب القيادة هو الطريقة التي ينجز بها القائد أهدافه. وهو يمكن أن يترك آثاراً عميقة على منظّمة ما والعاملين فيها، ويمكنه أن يحدّد ما إذا كانت المنظّمة فعّالة أم لا.
ويعتمد أسلوب القيادة على تصور القيادة عند القائد والمنظّمة ، وعلى طرق القيادة التي يختارها القائد. وتبعاً لكيفية تناسب هذين التصورين معاً، فقد يعتمد القائد أحد الأساليب المتنوّعة التي ينعكس كلّ منها في طريقة عمل المنظّمة وطريقة تعامل العاملين فيها بعضهم مع بعض. في ما يلي بعض الاحتمالات (النمطية جداً):
الأوتوقراطي – الذي يسيطر بالكامل، ويتّخذ جميع القرارات بنفسه
الإداري – يهتمّ بتسيير عمل المنظّمة بشكل سلس، أكثر من الاهتمام بغاياتها وفعاليتها
الديمقراطي – يستشير الآخرين، ويشجّع على المساواة ضمن المنظّمة، ولكنّه يتّخذ القرارات النهائية بنفسه
التعاوني – يتشارك القيادة، ويُشرِك الآخرين في جميع القرارات الرئيسية، ناشراً التملك في المنظّمة
وثمّة طريقة أخرى للنظر إلى القيادة، وهي تصنيفها على أنها "تعاملية" (استناداً إلى التعاملات، كالدفع مقابل العمل) أو "تحوّلية" (استناداً إلى تجنيد الأشخاص سعياً وراء رؤية يعلن عنها القائد، ولكنها ترتكز على احتياجاتهم وتطلّعاتهم، وتهدف إلى إحداث تغيير حقيقي). وإذا جمعنا هذه النظرة مع تلك المرتكزة على الأساليب الأربعة، يصبح من الأسهل فهم كيفية عمل القادة واتّخاذهم القرارات. ويتوضّح أيضاً أنّ الأساليب المختلفة قد تكون مناسبة لأهداف مختلفة، وأنّ معظم القادة يتنقّلون بين عدّة أساليب في خلال يوم واحد، حتّى لو كان لديهم أسلوب واحد يميّزهم.
يمكنكم أن تختاروا وأن تطوّروا أساليب القيادة ومهاراتها من خلال تقييم ميولكم ومواهبكم الخاصة، وفهم احتياجات المنظّمة أو المبادرة، ومراقبة القادة الآخرين وإيجاد مرشد، والإيمان بأنفسكم والاستعداد للتغيير.
ركز الدعم لإدارة المنظّمات غير الربحية
تعليقات